‏إظهار الرسائل ذات التسميات زمن الفراق ب قلم فاطمة الخليل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات زمن الفراق ب قلم فاطمة الخليل. إظهار كافة الرسائل

هل أتاك حديث العشق بصوت الراحلين..
هل سمعت أنين الشوق بحزن الفاقدين..
هل رأيت أميرا يبني بيته من حنين..
يسعى ليمضي كي ما يلقى سرور الخالدين..
... كنت مغمضة عيني على أنغام هذه الكلمات الرائعة التي حركت في الروح ذكريات وقصص لو وقعت على جبل لأردته مدمرا..
..... قبل أعوام 
كنت في العاشرة من عمري ...عندما ذهبت برفقة أبي إلى دكان في الحي .. كان أبي يريد شراء بعض الحاجات .. وذهبت معه بعد إلحاح شديد مني لمرافقته ..
عندما وصلنا إلى الدكان كان البائع ( العم أبو ورد)  يجلس هناك وكان معه ابنه ورد الذي يكبرني بسنوات .. التقت عيوني بعيونه .. بقينا زمنا لا بأس به ونحن نتأمل عيون بعضنا البعض .. كنت 
أقرا كلاما في عيونه .. وهو الآخر كان يقرأ بعيوني التي تلمع عبارات .. أقسم لو أن أحدنا كتبها لنسج بها روااايات وحكايات ..
انتهى أبي من شراء حاجاته .. ولا زالت عيوني معلقة بعيونه .. ناداني أبي ولم أستمع لندائه .. وكرر نداءه مرات ومرات ... كنت منفصلة عن العالم الخارجي .. كنت في عالم آخر... مسكني أبي من يدي وشدني بقوة وقال: مابك ألا تسمعين?!
كأنني كنت في حلم واستيقظت منه ... نظرت إلى ورد الذي تفاجأ بردة فعل أبي .. وملأت عيوني الدموع .. غادرنا الدكان وذهبنا إلى البيت , وضع أبي أغراضه وذهب ... جلست في غرفتي وراحت الحادثة تسرد نفسها في ذاكرتي مرة أخرى .. رفقا بي أيتها الأفكار فلا قوة لى على تحمل ما جرى ...
بعد عودة أبي دعتني  أمي لتناول الغداء .. 
ولماذا الغداء هل أنا جائعة اصلا ?! لقد اختفى شعور الجوع لدي .. أخبرتها أنني لا أشعر بالجوع
وأريد النوم..لمست في نبرة صوت أمي شيئا من القلق .. إنها المرة الأولى التي أرفض فيها تناول طعام الغداء برفقة والداي..
على طاولة الغداء تحدث أبي بما حصل في الدكان..  حديثه هذا كان كفيلا بأن أعطي الموافقة لعيوني ببداية أعاصير وأمطار ..
في المساء .. دخلت أمي غرفتي .. رفعت الغطاء عن وجهي ... كانت وسادتي مليئة بالدموع وعيوني أرهقها التعب... وضعت أمي يدها على رأسي .. كانت حرارتي مرتفعة جداااا .. صرخت أمي منادية أبي عندها جاء أبي سريعا.. أخرج هاتفه وطلب من الطبيب الحضور فورا ..
لقد كنت متعبة جدااا وكان رأسي مليئا بالأفكار وعيوني مليئة بالدموع ...
هدأ الطبيب أبي وقال: إنه ارتفاع في درجة الحرارة وطلب من أمي وضع قطع من القماش المبلل علي رأسي ( الكمادات) ..
وطلب من أبي إحضار أدوية قام بكتابتها .. ولكن أي دواء سيشفيني .. كانت حالتي في سوء مستمر .. ولم أتقدم خطوة واحدة في طريق الشفاء ... وتكررت زيارات الطبيب إلى بيتنا ...وبعد معاينتي .. تحدث الطبيب قائلا : أنه يوجد في هذا الحي طفل آخر حالته تشبه حالتي ..ولم يجدي أي دواء معه .. سأل أبي :  من هو ?!
أجاب الطبيب:  ورد ..
عند سماعي لهذا الكلام بدأت نبضات قلبي تتسارع ..وبدأت أشعر بضيق في التنفس .. وأمطرت عيوني بسحب وأعاصير وأظنها أعلنت الحداد ...
أسرع الطبيب إلي .. حاول السيطرة على حالتي .. ولكن ما كان يوتره هو قلق أمي وبكاؤها الذي كانت تهتز منه جدران الغرفة حزنا وقلقا ..
تساءل الطبيب : لماذا ساء حالها هكذا عند سماعها لاسم ورد ?!
ظهرت ملامح الانزعاج  على وجه أبي الذي أجاب وهو يشعر بالغضب:   لا علاقة لورد بمرضها ,  مجرد صدف حمقاء ..
لم يقتنع الطبيب بهذا الجواب الغريب...
وقبل مغادرته نظر إلي نظرات أظنه قرأ بنظراته تلك ما تحكيه عيوني.. أصاب ورد ما أصابني .. إنه يشعر بما أشعر به ..
كان مرضي يشتد .. وكان القلق والحزن يسيطر على أجواء بيتنا..في زيارة من زيارات الطبيب إلى بيتنا أخبر أبي بأنه سمع ما جرى من أبو ورد بعد زيارته للاطمئنان على ورد ..
الطبيب : لقد حدثني أبو ورد بالقصة كاملة.
أبي : مجرد هراء.
الطبيب :  ليش هراء .. الروح تعشق .. وهل تستطيع أن تمنع أرواحا من عشق بعضها البعض ?!
أبدى أبي غضبه من كلام الطبيب وطلب منه التوقف عن هذه التفاهات - على حسب تعبيره- 
الطبيب : كما تشاء لكن يجب أن تعلم أن هناك دواء وحيد لكي تعود ( هلا)  كما كانت ,وهو نفس الدواء الذي يحتاجه ورد أيضاااا.. دع الطفلان يلتقيان إن كنت تريد ابنتك .. لم يكن لكلام الطبيب أي نتيجة مع تزمت أبي برأيه وأفكاره ..
حاولت أمي إقناع أبي عند سماعها بكلام الطبيب .. ولكنه أصر على أن كل هذا الكلام مجرد تفاهات وأكاذيب ... كنت أقترب من الموت.. وصلت إلى أسوء حالات المرض .. علم جميع من في الحي بهذه القصة التي صارت تروى في المجالس مساء ..لاقى أبي لوما كبيرا من الجميع و تشاجر مع أبو ورد الذي هدده إن أصاب ورد أي شي بأن لن يحصل خير له..
قرر أبي مغادرة البلدة والذهاب إلى مكان آخر يعيش فيه .. مكان لا يسمع فيه عن ورد ولا أبو ورد ولا تلك القصة التي اعتبرها أكاذيب ...انتقلنا إلى مكان هادئ .. مكان كانت المناظر الطبيعية مسيطره فيه..
أكثر .. وهذا ماأراده أبي ليخرجني مما أنا فيه..
     كان أبي مؤمنا تماما بصدق هذه القصة .. وأن مرضي لا علاج له إلا لقاء ورد... ولكنه أبى أن يحصل هذا .. لم يوفر أبي جهدا في محاولته لنسياني ورد .. ولكن هل يعقل لإنسان أن ينسى روحه وكيف له ذلك?!!  هل يمكن لإنسان أن يعيش بلا روح ?!  إنه عشق الأرواح .. الروح تعشق .. فكيف له أن يجعلني أنسى .. كنت أتماثل للشفاء ..ولكن ذاكرتي احتفظت بورد في رحابها الكريمة.
بعد مرور سنواااات ....
أمي : هيا هلا لقد تأخرت... والدك ينتظرك في الخارج ..
أجبت : أنا جاهزة ..
إنه اليوم الأول لي في الجامعة .. دخلت كلية الإعلام .. لطالما أحببت أن أصبح إعلامية ناحجة
وها أنا في أول خطوة لتحقيق الحلم..كان اليوم الاول رائعا جداااا .. تعرفت فيه على زميلاتي في الدفعة .. كنت سعيدة جدا ..
كانت الأيام تركض مسرعة .. فلقد أنهينا الفصل الأول من السنة الأولى.. كنت في طريقي لمعرفة نتيجة اختباراتي .. دخلت إلى حرم الكلية .. أسرعت خطاي إلى لوحة الإعلانات ... كان حشد من الطلاب مجتمعين هناك .. فالكل يريد الاطمئنان على نتيجته..
تمكنت من الوصول إلى اللوحة .. اقتربت ووضعت إصبعي على الأوراق باحثة عن اسمي.. هلا .. هلا .. هلا .. ها هو ..... ناجح ... صرخت معبرة عن سعادتي ... رمقني الكل بنظرات مبدية الاستغراب .. كنت سعيدة جداااا ... كنت أقلب نظري هنا وهناك باحثة عن إحدى صديقاتي .. كنت أريد التعبير عن سعادتي بطريقة مجنونة .. وقعت عيني على طالب يقف بجانبي وهو  ينظر إلي بعيون تلمع .. نظرت إلى إصبعه الموضوع علي لوحة الإعلانات ..  الاسم :  ورد .... ناجح ... اتسعت عيناي ... ورد ... هل هو ورد ?!
وها هي للمرة الثانية تلتقي أعيننا وهي تلمع ... وللمرة الثانية حكت عيوني قصصا وروايات .. وألقت عيونه أبيات شعر من الشعر العذري ..
إنه ورد ... لم أكن قادرة على أن أمنع عيوني من البكاء ... استطردت في البكاء كما لو أن الماضي يعيد نفسه .. وماذا الآن ?!
جلسنا نتحدث....  حدثني عن مرضه عندما كان طفلا وحدثته أنا كذلك عن مرضي عندما كنت طفلة .. كان صوتي يتدرج بين الوضوح
واللاوضوح .. كنت أختنق وأنا أتكلم .. وكانت عيونه مليئة بدموع لامعة .. أبى كبرياؤه أن يسقطها ... وبعد ساعات من الحديث.... استأذنت طالبة المغادرة فلقد تأخرت .. وصلت إلى البيت وأنا أشعر بالسعااااادة اللامتناهية..
استقبلتني أمي .. متسائلة عن النتيجة??
قلت : أي نتيجة ?!
قالت أمي :  نتيجة الاختبارات..
قلت:  أجل .. لقد نجحت ... نجحت يا أمي.. لمست أمي في عيني سعادة وصل صداها عنان السماء..  اعتقدت أمي أن نجاحي السبب .. أقسم أني نسيت النجاح .. ونسيت الاختبارات .. لقد التقيت ورد... عشق الأرواح ... هكذا يحصل عندما تعشق الأرواح ...
كنت ألتقي بورد دائما ... كنا نتحدث ونضحك ونأكل ونشرب سويا.. كنا أغلب الأوقات سويا ..
تحدثنا عن كل شيء .
ومع مرور الأيام أصبحت علاقتنا قوية ... الحنان والمحبة والإخلاص والوفاء والكثير .. الكثير من الصفات احتضنها ورد .. حتى إن غبت ثانية .. كان ورد يشعر بأنها سنين .. لطالما تكررت في ذهني عبارة الطبيب الروح تعشق ... الروح تعشق ..
في أحد الأيام...
كنت أعد الطعام مع أمي ... حين قدم أبي غاضبا يصرخ بأعلى صوته:  هلاااااا ... هلااااااا .. شعرت بخوف شديد .. ما الذي حصل??! هل علم بشيء ?!
اختبأت وراء أمي .. شدني من يدي..  كنت تقابليه كل هذه الفترة ... وضربني .. هذه أول مرة يضربني فيها أبي .. لأجل ورد .. سأتحمل كل شيء .. حاولت أمي تهدئة أبي قليلا لكنه كان غاضبا جداااا .. دفعني إلى غرفتي وأغلق الباب ... ما الذنب الذي فعلته !!? هذا كله لأنني التقيت بورد ?!! كنت أجهل تماما كره أبي ارتباطي بورد .. ااااه يا ورد ... حرمت من رؤيتك ... للمرة الثانية يشاء القدر أن نبتعد عن بعضنا البعض .. للمرة الثانية يشاء القدر أن تبكي عيوننا دما .. لقد فرقونا للمرة الثانية ... كان أبي منفعلا جدا ولم يسمح لي بمغادرة البيت ولا حتى للذهاب الى الجامعة .. خوفا من لقائي بورد ... فلقد أصبح المكروه الوحيد في حياة أبي هو ورد ...  دخلت في نوبة مرض جديد .. حرمت نفسي الطعام والشراب .. حتى لو مت لأجل ورد .. هذا شرف لي ..
كان أبي خائفا من تكرار ما حصل معي في المرة الأولى .. فقرر مغادرة البلاد .. أجبرني أبي على السفر .. وكيف سأترك روحي وأذهب?!!
وهل لإنسان أن يعيش بعيدا عن روحه .. كان قلبي يتفطرررر .. حزنا وألما وانكسارا وفراقا .. هل مكتوب لنا أن نذوق طعم الفراق في كل مرة..  غادرنا البلاد وقرر أبي الاستقرار هناك..  وهل لي أن أقول لأبي لا ?!! 
الأرواح تعشق  .. والدموع تحرق  .. وقلبك القاسي دمر قلوبا تعشق ..
... استيقظت على نداء أمي .. ومازالت الكلمات تتردد:
هل أتاك حديث العشق بصوت الراحلين ..
هل سمعت أنين الفقد بحزن